نجع عشاق الشاعر الليبي علي الكيلاني

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
نجع عشاق الشاعر الليبي علي الكيلاني

نجع محبي الشاعر الكبير علي الكيلاني


    لقـاء شامل مع الشاعر

    avatar
    المنسق العام
    Admin


    عدد المساهمات : 82
    تاريخ التسجيل : 01/02/2010
    العمر : 55

    لقـاء شامل مع الشاعر Empty لقـاء شامل مع الشاعر

    مُساهمة  المنسق العام الإثنين فبراير 01, 2010 3:28 am

    أشمل وأطول حوار مع شاعر الثورة الليبية ومنشد القومية العربية ومبدع البادية علي الكيلاني الذي دافع عن جماهير الأمّة ورثى شهيدها صدام حسين

    * لننطلق بدءًا من البيئة التي ولدت وترعرعت فيها، هل لك أن تقدم لنا صورة عنها ؟
    - البيئة التي فتحت عليها عيني، هي بيئة بدوية صحراوية عرفت الكثير من ملاحم الجهاد الليبي ضد الغزاة والمحتلين، وكانت دائما رمزًا للمقاومة والصمود والتحدّي، يتميز أهلها بالترابط الأسري والقبلي والإجتماعي وبالمحافظة على قيمهم العربية الأصيلة التي توارثوها أبا عن جد، مثل عزة النفس والكبرياء والصدق مع الذات ومع الآخر، والكرم والأنفة، والإرتباط الوثيق مع أصالة الإنتماء.
    هناك في تلك المضارب العزيزة على النفس والخاطر، تبّيت على معاني والنقاء والسخاء والإباء والحياء، وتربّيت في واقع يقوم فيه الأب والعم والخال والجار والقريب والنسيب مقام المدرّس والمعلّم والمرشد والموجّه حيث لا يغفل أحد عن دوره في التكوين والتأطير والتوجيه والإرشاد، وحيث مازالت الأم تمثّل المدرسة التي تضيء منهج الحياة لإبنها، ومازال للجدة والعمة والخالة حضورهن البالغ في تكوين شخصية الفرد منذ نشأته الأولى.
    هذه البيئة وجدت فيها الحكمة والعزيمة والمثل والمبادئ السّامية، ورأيت فيها قيم التضحية والإيثار والإحترام والتوقير للكبير والصغير في آن، وهي بيئة واحدة وإن إختلفت تضاريسها بين صحارى ووديان وسهول وجبال … واحدة في مقوّماتها الحضارية والثقافية والأخلاقية وفي إلتزامها القومي والديني والإنساني.
    * وكيف كان موقع الشعر فيها ؟
    - في بيئتنا البدوية، وإن كانت الحياة قاسية تتطلب من الرجال أن يكونوا أشدّاء، أقوياء، مرابطين، ومن الإنسان عمومًا أن يكون قادرًا على مواجهة أعسر الظروف وأعتاها، فإن الشّعر هو عماد الحياة، وهو الهواء الذي يتنّفسه الإنسان البدوي، الشعر هو محرّك اللحظة وصانع بهجتها، وهو المؤرّخ لها والموثّق لتفاصيلها، كما أن الشاعر صوت الناس، صوت الحياة، صوت الأرض، وهو مدرّس، وإعلامي، وخطيب، ومؤثّر جدّي في تنشئة الوجدان الجمعي للبدو، ورسّام مبدع لخصوصيات الوجود والطبيعة والأحداث، لذلك نجده يتغنى بالبرق والرعد والرياح مثلما ينشد للخيل ويحدو الأبل ويصف الجمال ويترنّم بقصص الحب الخالدة، ويصف كبرياء الرجال وعظمة الوطن وجلال الأم ورفعة أخلاق الجار، بل إن الشاعر هو نجم الإحتفالات والأعراس التي تتحوّل على إيقاع قصائده إلى مهرجانات، كما يتحوّل سمر الليالي إلى مباريات رائعة في الشعر، لذلك أقول أن الشاعر هو صوت البادية وضميرها ومدَوّن عاداتها وتقاليدها وجزئيات الحياة فيها.
    * هل كان لأسرتك علاقة بالشعر ؟
    - أسرتي في عمومها تقول الشعر، فوالدتي شاعر، ووالدي شاعر… وشاعر كوميدي ساخر بالأخص، صاحب حضور متميز، وقدرة على إكساء المأساة بكساء الملهاة، ووضعها في إطار كاريكاتوري يوحي بموهبة فذة، الأخت شاهرة كطلك، والأخوال والأعمام شعراء، أي أن العائلة بمختلف تفرّعاتها هي عائلة شاعرة، وضاربة في أعماق الشعر.
    * هل تأثرت بشعراء معيّنين في بداياتك ؟
    - حين أقول أنني مولود في بيئة شعر، فلا يعني ذلك أنني كنت مبهورًا بما يقال من قصائد، ربما أعجبني إلقاء بعض الشعراء أو حضورهم أو بلاغتهم اللغوية أو صورهم الفنية، ولكن لم أجد القصيدة الكاملة في غياب النصوص المثقفة، النصوص المتجاوزة للسائد والمنطلقة من وعي فكري وحضاري مختلف، ومن رؤى مؤسّسة لقيمة الحداثة أقوال هذا، وأنا لا أنكر أن الشعراء الشعبيين في تلك البيئة كان لهم دور كبير في وصف وتدوين وتوثيق وتسجيل تفاصيل المعارك الجهادية الكبرى والخالدة التي قادها المقاومون الليبيون ضد الغزاة الطليان ما جعل قصائدهم تعتبر اليوم مراجع هامة للباحثين والمؤرخين.
    * لوعدنا إلى أسرة، كيف كانت علاقتك مع والديك خلال مرحلة طفولتك ؟
    - العلاقة كانت رائعة وخصوصًا مع والدتي التي أنا مدين لها بكل شيء، والدتي كانت تقول الشعر لتهدهدني به وأنا رضيع، ثم كانت تتغنّى بي وتمدحني وتضفي بكثير من الحب ودفء الأمومة الصادق، وكانت تزرعني في أحلامها المستقبلية، فتقول : يا علي ستكبر وتفعل كذا، ستكبر وتصنع كذا… ستكبر وتصبح كذا… حتى أنها ملأت ذاكرتي وعبّأت وجداني برصيد عضيم من المعاني والصور ومن قاموس بدوي واسع، لذلك أنا اليوم بدوي حتى النخاع، أتكلم لهجة البادية التي إنفصلت عنها منذ أربعين عامًا لفائدة المدينة.
    لقد كانت أمي المدرّسة، وكان والدي الناظر، وهو كما ذكرت كوميديان من الدرجة الأولى، حتى أنه إذا عاد إلى البيت ووجد وجبة طعام لم تعجبه، إتّجه مباشرة للتعبير عن موقفه في قصيدة شعر مرتجلة.
    * متى كتبت أول قصيدة ؟
    - وأنا في الثامنة من عمري ذهبت لجلب ناقة ضائعة، كنّا نشترك في ملكيتها مع جار لنا، حيث لنا منها ساقان وله ساقاها الآخريان، وعندما عدت بها فرحًا، قلت بعض الكلمات الموزونة، ما لفت إنتباه والدتي حتى أنها سألتني من قال لك هذه الكلمات ؟ فأجبتها بأنني صاحبها، عندئذ إبتسمت إبتسامتي رضى… ثم قالت ستكون شاعرًا يا علي…
    * وخطواتك الأولى نحو البروز.. كيف كانت ؟
    - أولا لا بد من الإشارة إلى الوضع المادي لأسرتي كان صعبا، وظروف البلد عمومًا لم تكن على ما يرام في تلك الفترة، في أوائل الستينات كنت أذهب مترجّلا وحافيا إلى المدرسة التي لم يكن فيها لا ماء ولا كهرباء، حيث ألتقي مع الطلبة في محيط مختلف عن محيط النجع، هناك بدأت أبرز بمواهبي فأولا كنت أمتاز بصوت جميل، ثم يقول الشعر وكذلك بحسن الإلقاء للقصائد الشعرية، لا أقول أنني كنت أحفظ قصيدة أبي القاسم الشابي أو أحمد شوقي ولكنني كنت أجيد قراءتها وإلقاءها، وأذكر أن المدرسة نظمت لنا رحلة إلى مسراطة بهدف القيام بأعمال تطوعية في إطار الكشافة، وهناك حاول الطلبة إبراز مواهبهم، فكان أن برزت بالشعر، حيث إكتشف المشرفون أن الشعر الذي أقدمه صحيح من حيث الوزن والإيقاع والإلقاء، وأذكر أنهم أخذوني إلى معسكر القادة وأستمعوا إليّ وباركوا موهبتي وقدّموا لي إنحراطًا في الكشافة بعد إعجابهم بالقّصائد التي ألقيتها…
    * وأول ظهور عام لك متى وكيف كان ؟
    - كان ذلك في العام 1973 بمنطقة أبو هادي، خلال تصفيات مهرجان الشعر الشعري بإشراف أحمد النويري وقد كنت بالقسم الداخلي مقيمًا كطالب في المرحلة الثانوية عندما علمت من خلال إستماعي للإذاعة بوجود تلك التصفيات، ونظرا لأن الخروج من القسم الداخلي كان ممنوعًا، لم أجد أمامي غير التسلّل إلى الخارج عبر تسلق سور المدرسة، ولمّا وصلت إلى مقر اللقاء، تسلّلت بين الشعراء الذين كانوا كبارًا في السن وفي التجربة إلى أن وجدت نفسي أمام أحمد النويري ألقي قصيدتي بكل جرأة وثقة في النفس، حتى يبدو أنه أُعْجب بجرأتي وشجاعتي، فطلب مني إعادة إلقاء القصيدة مرّة ثانية، وذلك ما تم فعلاً، قبل أن أعود إلى القسم الداخلي.
    بعد مدّة أعلموني بأنني حصلت على المرتبة الثالثة عن منطقة سرت وعلى جائزة مالية قدرها سبعون دينار، ثم أخذوني إلى الأدوار النهائية للمهرجان في مدينة طرابلس حيث كان الأخ القائد حاضرًا، وهناك ألقيت قصيدتي على منصة كبار الشعراء وتحت أضواء عدسات التليفزيون، وقد صفق لي الجميع تشجيعا ومساندة.
    * بالمناسبة متى تعرفت على القائد معمر القذافي لأوّل مرة ؟
    - ككل الليبيين كنت أسمع عن معمّر القذافي الذي قاد الثورة في الفاتح من سبتمبر 1969، ورئيس الجمهورية آنذاك (قبل قيام النظام الجماهيري وإعلان سلطة الشعب في الثاني من مارس 1977). أمّا عن أول معرفة لي به شخصيا، فقد كانت في العام 1972، حيث كان حاضرًا في حفلة عرس كضيف مدعو، وقد صادق أن كنت في ذلك العرس فألقيت أمامه بعض قصائدي الشعبية، وتبادلت مع الحديث.
    أجاويد
    * هل تذكر أول عمل قدمته للثورة ؟
    - يمكن القول أن أول عمل من هذا النوع، قمت بتقديمه كان في العام 1978 هو أجاويد هلنا أجاويد، وأحنا أجاويد جيبا وهو عمل غنائي تم تسجيله وبثه عبر الإذاعة المرئية (التليفزيون الليبي) ولكن قبل ذلك كنت أشارك رسميا في المهرجانات وبصفة دورية حيث ألقي قصائدي الشعرية التي كانت تجد صدى متميزا في الساحة الفنية و الثقافية.
    * ووعيك القومي متى بدأ يتشكل ؟
    - مع قيام الثورة طبعا، فأنا كنت مشدود بفكري ومشاعري للحدث العظيم الذي غيّر وجه ليبيا في العام 1969، وككل الليبين كنت معجبا بحركة الضباط الأحرار وبوعي وحماس وشجاعة معمّر القذافي، وكذلك بمواقف الثورة المساندة لقضايا الأمة العربية، عندئذ تغيّرت كل المفاهيم بالنسبة لي وللآخرين، فالعدو لم يعد الجار ولا الشقيق وإنما هو الكيان الصهيوني والإمبريالية العالمية، والوطنية لم تعد تعني الإنتماء القطري أو الإقليمي وإنما إتسّعت آفاقها لتصبح كل الوطن العربي من الماء إلى الماء ومن المحيط إلى الخليج، ثم على إثر ذلك تشكّل وعينا القومي أكثر عبر العمل السياسي الذي كانت الثورة تقوم به مثل المشاريع الوحدوية، ومساندة القضايا العربية العادلة وتبنّي حركات التحرّر.
    * هل كانت أصوات قومية مبدعة تشد إهتمامك ؟
    - طبعا، فنحن تربّينا في مناخ عام يساعدنا على أن نحافظ على ثوابت إنتمائنا القومي، المغمورون في ظل الثورة كانت يجدون الفضاء الشاسع لإبراز أصواتهم وطاقاتهم، كذلك كان هناك جيل من المدرّسين القوميين الصادقين سواء من مصر أو فلسطين أو غيرها من الأقطار العربية، كانوا يتميزون بنقاء الفكر والوجدان ولم تكن لديهم أي إنتماءات حزينة لإستقطابنا الأجواء التربوية والإعلامية والثقافية كانت تصب في إطار بناء الشخصية القومية الوحدوية النقية الصادقة والمؤمنة بقيم الوحدوية النقية الصادقة والمؤمنة بقيم ومبادئ الثورة. كما أن وهج المرحلة الناصرية وإرثها الفني والإبداعي والثقافي كان يغّطي المنطقة العربية ببريقة الذي لا يخفت وبعنفوانه الذي لا يتراجع… فمصر قدّمت خلال عقدي الخمسينيات والستينيات روائع فنية خالدة لكبار الفنانين، وثورة الجزائر كانت متألقة في الوجدان العربي، والمفكرون والمبدعون والكتاب القوميون وجدوا في ظل ثورة الفاتح مجالاً فسيحا لإبراز إنتاجاتهم وتبليغها لجماهير الأمة.
    * عملك الفني الأول الذي حقق رواجًا إستثنائيا هو أجاويد فهل لك أن تحدثنا عن ردود الفعل المسجّلة حوله ؟
    - بعد تسجيل الأغنية، أخذ ملّحنها الفنان علي ماهر نسخة إلى إذاعة صوت الوطن العربي التي كانت آنذاك مالئة الدنيا وشاغلة الناس، وما إن إستمع إليها الأستاذ نوري الحميدي الذي كان مدير هذه الإذاعة في تلك الفترة إلى الأغنية حتى إتصل بي في مقر علمي وأنا ضابط بالجيش، ليدعوني إلى مكتبه، وقد إستغربت الأمر بسبب عدم وجود أية علاقة بين الإذاعة والمؤسسة العسكرية، وعندما دخلت مكتبه، فتح الأستاذ نوري آلة التسجيل ليسمعني الأغنية وليعبّر عن إعجابه الشديد بها قائلا إنها تحمل مضامين ثقافية وحضارية متميزة، وكلماتها سلسلة، عميقة في بداوتها وفي فصاحتها في آن، تعبّر عن مبادئ وقيم الثورة، تتألق فيها معاني الأنفة والشموخ والإيثار وعزة النفس والشجاعة وصلابة الموقف، وفعلا رأى المبدعون والنقاد والإعلاميون والجمهور الواسع في أغنية أجاويد روحًا جديدة ومعاني مختلفة، وعبقًا لم يكن سائدًا في الأغاني الأخرى آنذاك لذلك حققت نجاحًا باهرًا ولفتت أنظار الجميع إليّ.
    * هل من أجل ذلك أصبحت أجاويد عنوانًا ورمزًا وتميمة حظ في حياتك ؟
    - ربما، ولكن الاهم هو أن الأغنية كانت تعبيرًا صادقًا عن قيم أؤمن بها ويؤمن بها أبناء بلدي وأمتي، فالأجاويد هم أساطين الجود نحو الأمة والوطن والأرض والأهل والكرامة والخير والسلام.
    ثم أن الجود قيمة مقترنة بحياة الإنسان البدوي والعربي في بلادنا، وهو أصل كل القيم النبيلة والسجايا الكريمة، ولو لا الأجاويد الذي جادوا بالأرواح والدماء ما كان للأرض أن تتحرّر وللعرض أن يصان، ولولا الأجاويد الذين كانوا دائما يؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة، ما كان للحياة أن تزهو، وللعذابات أن تُحْتمل، وللأحلام أن تزدهر. لذلك أطلقت إسم أجاويد على دار الإنتاج التي أسستها، وكذلك على المجموعة الغنائية التي كانت في فترة من الفترات حاملة للواء الأغنية البديلة قبل أن تتسع قائمة حملة هذا اللون الفني لتشمل أصواتًا من مختلف أرجاء الوطن العربي الكبير.
    * إنطلقت شاعرًا بدويًّا يتغنى بقيم البداوة الاصيلة ثم عرفناك شاعرًا متعدّدا في الأغراض وفي أساليب التبليغ فأين تجد ذاتك الشاعرة أكثر ؟
    - أنا شاعر بدوي بالأساس، ولكنني لم أكن في يوما من الأيام أسيرًا لبداوتي أو لمحلّيتي الضيقة، أنا اليوم أتكلم عن مواجهة الإمبريالية الأمريكية في العراق وعن الفدائي المقاوم في فلسطين ولبنان، وعن ضرورة استرداد الحق العربي المغتصب في سبتة ومليلة، يعني أنني إنتقلت من باديتي الحرة الأصيلة إلى ما هو أوسع وأشمل وأرحب ولكن إعتمادًا على دراسة وفهم وقراءة متأنية لكل المعطيات، فإذا كنت في الآفاق الرحبة تحتاج إلى نجوم تدلّك وتهديك إلى الطريق الصحيحة، فإن الشعر السياسي هو الآخر يحتاج إلى معرفة الحقائق، والتعامل معها بوعي كامل، حيث عليك أن تعرف خلفيات الأحداث والظروف والمعطيات، وأن تكون واعيًا بالحدود السياسية للبلد الذي تنطلق منه، وبما تفرضه عليك قوميتك ووطنيّتك وعلاقاتك مع الزملاء والرفاق والإعلام والعلاقات الشخصية والخاصة والظروف الأسرية وغيرها بمعنى آخر على الإنسان البدوي أن يجيد التعامل مع الطبيعة والمناخ وحركة النجوم، وعلى الشاعر السياسي أن يجيد السير في هذا الخضم العاصف من الأحداث المتواترة.
    إن ما حدث في نهر البارد في لبنان أو ما بين فتح وحماس وغزة قد يقرأه السياسي من منطلق تفاعله مع الظرفي والحيني ومن خلال دوافع وخلفيات الحدث وتفاصيله المملة، وقد تدفع تطوّرات الحدث بالسياسي إلى تغيير رأيه، ولكن ماذا يفعل الشاعر البدوي المشغول بقوميته وأمته ؟
    الجواب هنا أن يستعمل بوصلته البدوية وثقافته السياسية معًا حتى لا يسقط في لعبة الانحياز الظرفي أو الحزبي على حساب مبادئه وقناعاته القومية والحضارية التي تنادي بتحرير الأرض وطرد الغزاة ومواجهة الأعداء وتوحيد الصفوف وترسيخ يم الحرية والوحدة والعدالة والوفاء للشهداء، لذلك تجدني في مثل هذه الظروف أوجّه إهتمامي لبغداد، للعراق، لتمجيد بطولات المقاومة هناك، ولرثاء الرئيس الشهيد صدّام حسين ومدح بطولته وشموخه وكبريائه حتى وهو أمام حبل المشنقة.
    وين الملايين
    * إذا كانت أجاويد فاتحة إنتشارك الواسع على الساحة الليبية فإن وين الملايين ويا أمي وحمام القدس كانت جواز سفرك إلى جماهير الشعب العربي… فكيف نستطيع الحديث عن هذه التجربة ؟
    وهل لنا أن نبدأ من صرخة وين الملايين ؟
    - وين الملايين لم تكن الأولى وإنما سبقتها أعمال أخرى أبرزها ثوري التي حققت إنتشارًا واسعًا في الساحات الصّاخبة والساخنة، وخاصة في فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا.
    * متى قدمت ثوري ؟
    - مع بداية الإنتفاضة في أواخر العام 1987 وطبعًا قام الصهاينة بقمع ثورة جيل الغضب وأطفال الحجارة في فلسطين المحتلة، وأذكر أن وسائل الإعلام نشرت آنذاك خبر قيام عصابات الصهاينة برمي سيدة فلسطينية حامل من نافذة شقتها الكائنة في الطابق الأول لأحد المباني، فتأثرت للموقف، وتخيّلت تلك السيدة توجّه رسالة إلى أمها، تشكو فيها حالها وحال الجنين الذي في أحشائها، غير أنها تفاجئ بجثة والدتها الموؤدة تحت أنقاض منزل المهدوم ثم تطوّرت الصورة للتعبير عن فلسطين الحامل الجنين غير الشرعي الذي هو الكيان الصهيوني اللقيط وهي توجّه رسالة إلى أمتها العربية، ولا شك أن تنفيذ هذه العمل كان في مستوى أهميته والأهميّة القصوى للظروف التي فرضته خصوصًا وأن الأصوات التي ادتها (سوسن الحمامي، جوليا بطرس، أمل عرفة) عرفت كيف تبلغ الرسالة بصدقية طاغية، وأذكر أني بعد إنتاج وتوزيع يا أمي كنت في تونس، وقد لاحظت مدى الإقبال الرهيب عليه من قبل الأشقاء التونسيين الشيء الذي شجّعني على اليسر في ذات الاتجاه.
    * من هناك جاءت وين الملايين ؟
    - في العام 1990 أي بعد ثلاث سنوات على الانتفاضة أطلقت وين الملايين وهي أغنية تتمحور بكلماتها وإيقاعها ونغمها وروحها وغضبها حول سؤال كبير : أين الملايين ؟ ملايين العرب المحيّدين عما يجري في فلسطين المغتصبة والجريحة ملايين الجنود والناس وملايين الثروة المعبّأة في البنوك أو المدفوعة لشراء سلاح لا يُوَجّه للعدو.. أنّها أغنية غضب وصرخة وجدان يسأل ويحاول أن يجد الجواب الشافي والمقنع عن أسباب الصمت والخنوع إزاء ما تمرّ به فلسطين المحتلة، والأمة المتفككة والمشتّتة والمنكسرة من أقصاها إلى أدناها…
    اللافت هنا أن الصرخة وصلت إلى القلوب والعقول قبل الإسماع وحرّكت المياه الراكدة وأثارت ردود فعل استثنائية، وكَذّبت مقولات أن العرب لم يعد لديهم وقت لاستيعاب أو قدرة على الإنصات، وقد كان الشباب يندفع للإستماع إلى الأغنية ويتفاعل معها بقوة مؤكد أن الوعي القومي مازال قائما فيه، وأن كل الرهانات على تغييبه وتغريبه وتمييعه وإغراقه في وحل المخدرات والمسكرات والنزوات قد فشلت وأنكسرت على صخره إحساسه العميق بانتمائه العربي الاصيل.
    * وماذا عن حمام القدس ؟
    - هذا العمل كان أوسع وأشمل والدليل أنني جمعت فيه خمسة أصوات عربية أمل بطرس، سوسن الحمامي، خولة الراشدي، هدى العطار وأمل عرفة، وقد كان لنجاح وين الملايين دور في نجاح هذا العمل ونيله الإهتمام الكبير من قبل الجماهير ووسائل الإعلام، أما فكرة حمام القدس فقد إنطلقت عند مشاهدتي لأسرار الحمام المرعوبة وهي تفّر من المسجد الأقصى، حتى الحمام الذي هو رمز السلام لم يجد له ملجأ في حمى القدس المحتلة من قبل أعداء السلام ودعاته في نفس الوقت.
    تلك الصورة جعلتني أتمثّل صورة الحمام على باب غار حراء وكيف ساهم في انقاذ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من بطش المشركين عندما كانوا يلاحقونه وهو في طريق الهجرة إلى المدينة المنورة لذلك قلت كيف ما حميت نبينا… نحميك ياحمام.
    أنا جماهيري
    * أنت تعاملت كذلك مع مارسيل خليفة في أغنية انا جماهيري ؟
    - تم ذلك بمناسبة مهرجان الأغنية البديلة الذي نظمناه في طرابلس سنة 1991، في تلك الفترة كان مرسيل يؤدي أغنية المعروفة منتصب القامة أمشي وصامدون هنا وبعد الحديث معه، عملنا على إنجاز عملين مشتركين الأول هو :
    أنا جماهيري
    أنا جماهيري
    عربي حرّ، عربي ثوري
    أنا جماهيري، أنا جماهيري،
    أسعى لحكم الشعب الفوري.
    والثانية كانت أغنية من يحكم من ؟ من يخدم من ؟ وهما كما تلاحظ أغنيتان مستوحاتان من قاموس الفكر الأخضر ؟
    * وأغنية لماذا يا كرامة ؟
    - هذه الأغنية أدتها فرقة ناس الغيوان المغريبية الشهيرة التي كانت معروفة آنذاك بأغنية صبرا وشاتيلا فعندما إلتقيت بقائد المجموعة الفنان الراحل العربي باطمة وجدت معه تجاوبًا فكريا وفنيا لذلك إقترحت عليه وعلى الفرقة المشاركة في مهرجان الأغنية البديلة بطرابلس، وهذا ما حدث فعلا، حيث أدت ناس الغيوان مع مجموعة البنات (سوسن، وأمل وجوليا) أغنية لماذا يا كرامة التي كانت تتمحور حول التناقضات الرهيبة في وطننا العربي وكيف أن كرامة الإنسان أفحت عائقًا أمام نجاحه ورقية وإمتلاكه أدوات حريته وسعادته.
    * وأغنية غضب الشعب ؟
    - في العام 1991 وفي خضم التحولات التي كانت تشهدها أوروبا الشرقية، وبعد أن شاهدت ما حدث في رومانيا من ثورة عارمة هزّت عرش تشاوشيسكو، جاءتني فكرة الأغنية، فكتبتها ولّحنها وجمعت لأدائها جوليا بطرس وأمل عرفة وسوسن الحمامي، غضب الشعب كانت دعوة للحكام للإعتبار من الثورات التي إنتصرت لإرادة الشعوب واقتّضت من الديكتاتوريين وأعداء الحرية والحياة.
    أنت لو تبحث في أغنياتي، ستجد وراء كل أغنية قصة وحدثا وموقفا ورؤية.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 11:14 am